سورة إبراهيم - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} إلا بلغة قومه الذي هو منهم وبعث فيهم. {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ} ما أمروا به فيفقهوه عنه بيسر وسرعة، ثم ينقلوه ويترجموه إلى غيرهم فإنهم أولى الناس إليه بأن يدعوهم وأحق بأن ينذرهم، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنذار عشيرته أولاً، ولو نزل على من بعث إلى أمم مختلفة كتب على ألسنتهم استقل ذلك بنوع من الاعجاز، لكن أدى إلى إختلاف الكلمة وإضاعة فضل الاجتهاد في تعلم الألفاظ ومعانيها، والعلوم المتشعبة منها وما في اتعاب القرائح وكد النفوس من القرب المقتضية لجزيل الثواب. وقرئ: {بلسن} وهو لغة فيه كريش ورياش، ولسن بضمتين وضمة وسكون على الجمع كعمد وعمد. وقيل الضمير في قومه لمحمد صلى الله عليه وسلم وأن الله تعالى أنزل الكتب كلها بالعربية، ثم ترجمها جبريل عليه السلام أو كل نبي بلغة المنزل عليهم وذلك ليس بصحيح يرده قوله: {لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} فإنه ضمير القوم، والتوراة والإنجيل ونحوهما لم تنزل لتبين للعرب. {فَيُضِلُّ الله مَن يَشَاءُ} فيخذله عن الإِيمان. {وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ} بالتوفيق له. {وَهُوَ العزيز} فلا يغلب على مشيئته. {الحكيم} الذي لا يضل ولا يهدي إلا لحكمه.


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بئاياتنا} يعني اليد والعصا وسائر معجزاته. {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور} بمعنى أي أخرج لأن في الإرسال معنى القول، أو بأن أخرج فإن صيغ الأفعال سواء في الدلالة على المصدر فيصح أن توصل بها أن الناصبة. {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} بوقائعه التي وقعت على الأمم الدارجة وأيام العرب حروبها. وقيل بنعمائه وبلائه. {إِنَّ فِى ذلك لآيات لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} يصبر على بلائه ويشكر على نعمائه، فإنه إذا سمع بما أنزل على من قبل من البلاء وأفيض عليهم من النعماء اعتبر وتنبه لما يجب عليه من الصبر والشكر. وقيل المراد لكل مؤمن وإنما عبر عنه بذلك تنبيهاً على أن الصبر والشكر عنوان المؤمن.


{وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ} أي اذكروا نعمته عليكم وقت إنجائه إياكم، ويجوز أن ينتصب ب {عَلَيْكُمْ} إن جعلت مستقرة غير صلة للنعمة، وذلك إذا أريد به العطية دون الأنعام، ويجوز أن يكون بدلاً من {نِعْمَةَ اللهِ} بدل الاشتمال. {يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} أحوال من آل فرعون، أو من ضمير المخاطبين والمراد بالعذاب هاهنا غير المراد به في سورة (البقرة) و(الأعراف) لأنه مفسر بالتذبيح والقتل ثمة ومعطوف عليه التذبيح ها هنا، وهو إما جنس العذاب أو استعبادهم أو استعمالهم بالأعمال الشاقة. {وَفِى ذلكم} من حيث إنه بإقدار الله إياهم وإمهالهم فيه. {بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} ابتلاء منه، ويجوز أن تكون الإشارة إلى الانجاء والمراد بالبلاء النعمة.
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} أيضاً من كلام موسى صلى الله عليه وسلم، و{تَأَذَّنَ} بمعنى آذن كتوعد وأوعد غير أنه أبلغ لما في التفعل من معنى التكلف والمبالغة. {لَئِنْ شَكَرْتُمْ} يا بني إسرائيل ما أنعمت عليكم من الانجاء وغيره بالإِيمان والعمل الصالح. {لأَزِيدَنَّكُمْ} نعمة إلى نعمة. {وَلَئِن كَفَرْتُمْ} ما أنعمت عليكم. {إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيد} فلعلي أعذبكم على الكفران عذاباً شديداً ومن عادة أكرم الأكرمين أن يصرح بالوعد ويعرض بالوعيد، والجملة مقول قول مقدر أو مفعول {تَأَذَّنَ} على أنه جار مجرى (قَالَ) لأنه ضرب منه.
{وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِى الأرض جَمِيعًا} من الثقلين. {فَإِنَّ الله لَغَنِىٌّ} عن شكركم. {حَمِيدٌ} مستحق للحمد في ذاته، محمود تحمده الملائكة وتنطق بنعمته ذرات المخلوقات، فما ضررتم بالكفر إلا أنفسكم حيث حرمتموها مزيد الأنعام وعرضتموها للعذاب الشديد.
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ} من كلام موسى عليه الصلاة والسلام أو كلام مبتدأ من الله. {والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله} جملة وقعت اعتراضاً، أو الذين من بعدهم عطف على ما قبله ولا يعلمهم اعتراض، والمعنى أنهم لكثرتهم لا يعلم عددهم إلا الله، ولذلك قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه كذب النسابون. {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ} فعضوها غيظاً مما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام كقوله تعالى: {عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل مِنَ الغيظ} أو وضعوها عليها تعجباً منه أو استهزاء عليه كمن غلبه الضحك، أو إسكاتاً للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأمراً لهم باطباق الأفواه، أو أشاروا بها إلى ألسنتهم وما نطقت به من قولهم: {إِنَّا كَفَرْنَا} تنبيهاً على أن لا جواب لهم سواه أو ردوها في أفواه الأنبياء يمنعونهم من التكلم، وعلى هذا يحتمل أن يكون تمثيلاً.
وقيل الأيدي بمعنى الأيادي أي ردوا أيادي الأنبياء التي هي مواعظهم وما أوحى إليهم من الحكم والشرائع في أفواههم، لأنهم إذا كذبوها ولم يقبلوها فكأنهم ردوها إلى حيث جاءت منه. {وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} على زعمكم. {وَإِنَّا لَفِى شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ} من الإِيمان وقرئ: {تدعونا} بالادغام. {مُرِيبٍ} موقع في الريبة أو ذي ريبة وهي قلق النفس وأن لا تطمئن إلى الشي.
{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى الله شَكٌّ} أدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام في المشكوك فيه لا في الشك. أي إنما ندعوكم إلى الله وهو لا يحتمل الشك لكثرة الأدلة وظهور دلالتها عليه. وأشاروا إلى ذلك بقولهم: {فَاطِرِ السموات والأرض} وهو صفة أو بدل، و{شَكٌّ} مرتفع بالظرف. {يَدْعُوكُمْ} إلى الإِيمان ببعثه إيانا. {لِيَغْفِرَ لَكُمْ} أو يدعوكم إلى المغفرة كقولك: دعوته لينصرني، على إقامة المفعول له مقام المفعول به. {مِّن ذُنُوبِكُمْ} بعض ذنوبكم وهو ما بينكم وبينه تعالى، فإن الإسلام يجبه دون المظالم، وقيل جيء بمن في خطاب الكفرة دون المؤمنين في جميع القرآن تفرقة بين الخطابين، ولعل المعنى فيه أن المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفار مرتبة على الإِيمان وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة والتجنب عن المعاصي ونحو ذلك فتتناول الخروج عن المظالم. {وَيُؤَخِّرَكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى وقت سماه الله تعالى وجعله آخر أعماركم. {قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} لا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوة دوننا ولو شاء الله أن يبعث إلى البشر رسلاً لبعث من جنس أفضل. {تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا} بهذه الدعوى. {فَأْتُونَا بسلطان مُّبِينٍ} يدل على فضلكم واستحقاقكم لهذه المزية، أو على صحة ادعائكم النبوة كأنهم لم يعتبروا ما جاءوا به من البينات والحجج واقترحوا عليهم آية أخرى تعنتاً ولجاجاً.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8